نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الإسلام... والسلام... وبطل شاطئ بوندي, اليوم الاثنين 22 ديسمبر 2025 03:22 صباحاً
تم ارتكاب جريمة مفزعة على شاطئ بوندي Bondi Beach في أستراليا: رجل في الخمسينيات هو وابنه يقومان بإطلاق النار عشوائيا على جماعة تحتفل احتفالا دينيا.
وحيث إن الضحايا كانوا يهودا يحتفلون بعيد حانوكا Hanukkah، قفزت إسرائيل فورا على الحادث الذي وجدت فيه فرصة لصرف الأنظار عن جرائمها: منذ نكبة 1948 حتى يومنا هذا، خاصة المذبحة الشنيعة التي ترتكب في غزة حاليا على مرأى من العالم كله.
فعادت إسرائيل إلى الأسطوانة القديمة: معاداة السامية، والإرهاب الإسلامي، خاصة بعد أن أعلنت الشرطة الأسترالية أن داعش تقف وراء الجريمة... ومن بعدها مباشرة عادت الدعوة إلى معاداة المسلمين في أستراليا وشوهدت رؤوس خنازير بالقرب من مقابر المسلمين!
لكن، إذا كان صحيحا أن داعش تقف وراء الجريمة التي جرت على شاطئ بوندي، ألا يكون السؤال البديهي: لمصلحة من ترتكب هذه الجرائم؟ ومن يقف وراءها؟
وخاصة أن أستراليا من الدول الغربية التي وقفت في صف الفلسطينيين ودعت إلى إنشاء دولة فلسطينية.... وأنها ليست المرة الأولى - ولن تكون الأخيرة - التي تهب فيها داعش لنجدة إسرائيل وتشويه صورة الإسلام والمسلمين.
والأهم أنه من بعد ما جرى على شاطئ بوندي كثر الادعاء في الإعلام ووسائل التواصل الغربية أن مجيء المسلمين إلى الغرب هو السبب في الإرهاب، وبتعبير آخر: أن المسلمين لا يمكنهم أن يتعايشوا مع الغرب... ولم تكن هذه المرة الأولى - ولن تكون الأخيرة - التي يتهم فيها المسلمون بأنهم لا يمكن لهم أن يعيشوا في سلام مع غيرهم.
ومن هنا كان لا بد من الرد على هذه الادعاءات، والإجابة بوضوح عن السؤال: هل يمكن للمسلم المتدين أن يعيش في ود وتفاهم ومحبة واحترام متبادل مع غير المسلم في هذا العصر، أم أن التنافر والصراع حتميان ما بينهما؟
للإجابة أبدأ بالقول إن ضحايا الإرهاب من المسلمين هم أضعاف ضحاياه من غير المسلمين: وعلى سبيل المثال شهدنا ما ارتكبته داعش من قتل المسلمين الأبرياء وبيع النساء وإلقاء البعض من فوق أسطح المباني، عدا تدمير التراث الحضاري والتاريخي لشعوب هي من أعرق شعوب العالم.... ولا شك أن من يقتلون المسلمين ويروعونهم ويشوهون دينهم ويدمرون تراثهم وتاريخهم هم أعداء للإسلام والمسلمين قبل أن يكونوا أعداء لغير المسلمين.
كما أن من يستوعب ثقافة الإسلام يدرك أن المسلم يندمج في المجتمعات الحديثة: سواء من الناحية الاجتماعية، حيث يتمتع المسلم بالصدق والأمانة وإتقان العمل وأدب التعامل، ويأمر الإسلام باحترام العرف وبحسن التعامل مع الجار، حتى إن رسول الله ﷺ كان يحسن معاملة جاره بينما كان ذلك الجار يؤذيه، إلخ.... وقد جاء في «وثيقة المدينة» أنه ليس ما بين المسلمين وغير المسلمين من أهل المدينة سوى «البر المحض». ووثيقة المدينة هذه هي الوثيقة التي أشرف على كتابتها رسول الله ﷺ وحكم بموجبها أول دولة في الإسلام.
كما يندمج المسلم مع الغير ثقافيا وسياسيا، ويكفي أن الانتخابات البرلمانية البريطانية لعام 2024 نتج عنها انتخاب خمسة وعشرين عضوا مسلما في البرلمان البريطاني، وأن صادق خان - عمدة العاصمة البريطانية لندن منذ عام 2016 - قد فاز في ثلاثة انتخابات متتالية، وأن زهران ممداني فاز في انتخابات عمدة مدينة نيو يورك، أكبر وأهم المدن الأمريكية.
وحتى من الناحية الدينية لا ينبغي أن يكون هناك تنافر، والله تعالى يقول: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) 46 - العنكبوت.
فالمسلمون يؤمنون بالإنجيل وبعيسى عليه السلام وبعودته، وبأن الله أعلى من مخلوقاته، ويؤمنون بالمحبة وبالإحسان إلى الغير، وغيرها من عقائد يؤمن بها النصارى، كما يؤمنون بالوحدانية المطلقة وبالتوراة وبموسى عليه السلام وبالوصايا، مثل: بر الوالدين، لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، وغيرها من عقائد يؤمن بها اليهود.
وفي الوقت نفسه يؤمن المسلمون بأهمية العلم وعدم اتباع ما ليس له أساس من العلم (ولا تقف ما ليس لك به علم) - 36 الإسراء. كما يؤمنون بالمواطنة، ويؤمنون بالتعايش مع الغير في مجتمع متعدد الثقافات والهويات، كما يثبت تاريخ الحضارة الإسلامية أن المسلمين يؤمنون بهذه المبادئ وبكثير غيرها من مبادئ الحضارة الحديثة.
فليس هناك في الإسلام سبب ديني أو ثقافي للتنافر ما بين المسلم وغير المسلم، بل قد جعل الله المسلمين «أمة وسطا»، كما قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) 143 - البقرة.
ومن كان وسطا بين الناس فهو الأقرب إلى الجميع. فالمسلمون أقرب إلى التقارب والتعايش مع غيرهم من أصحاب عقائد أخرى لا تقبل التعايش مع الغير.
كما أن أي دارس للفقه ولتاريخ دعوته ﷺ يدرك أن الإسلام أبعد ما يكون عن الدعوة إلى العنف أو العدوان على الغير أو التشجيع عليه، بل إن الإسلام يحرم العدوان والتطاول على الغير: (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) - 190 البقرة، وقد قال ﷺ: (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده)، والله يأمر المسلم بتوفير الأمن لغير المسلم: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه)
6 - التوبة.
ولا ننسى أن الله يأمر المسلم باللطف في التعامل «واغضض من صوتك»، «لا يسخر قوم من قوم»، «ولا تجسسوا»، «ولا يغتب بعضكم بعضا»، «لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى»، «ادفع بالتي هي أحسن»، «وأعرض عن الجاهلين»، «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة»، إلخ.
وقد تعرض المسلمون الأوائل إلى القتل والتعذيب والمعاناة وسوء المعاملة والمقاطعة بجميع صورها: اجتماعيا واقتصاديا وإنسانيا، وتعاهدت قريش على مقاطعة المسلمين وكتبوا بذلك كتابا علقوه في الكعبة تعاقدوا فيه على ألا يبايعوا المسلمين ولا يصلهم رزقا ولا يقبلوا منهم صلحا ولا تأخذهم بهم رأفة، وبلغ ذلك حد تجويع أطفال المسلمين ومنع بيع الغذاء لهم، وغير ذلك من صور الاعتداء والمقاطعة والتعذيب الجسماني والمادي والنفسي والقتل والاضطهاد والإهانة التي تعرض لها المسلمون الأوائل، حتى اضطر بعضهم إلى الهجرة إلى الحبشة هروبا بدينهم.
وبالرغم من كل ما تعرض له المسلمون ظلوا مأمورين بالصبر على الأذى وممنوعين من القتال دفاعا عن أنفسهم... ولم يسمح الله لهم باللجوء إلى القتال دفاعا عن النفس إلا بعد سنوات طويلة من المعاناة، عندما نزل قوله تعالى (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير)
39 - الحج.
فسمح الله تعالى للمسلمين بالقتال دفاعا عن النفس بعد أن صبروا لسنوات على أشد الأذى والعذاب.. وأوضح الله في كتابه أن ذلك ما هو إلا ملجأ أخير بعد أن ضاقت بالمسلمين كافة السبل، ومؤكد أن الصبر على الأذى خير من اللجوء إلى العنف: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) 126-النحل.
فالقتال في الإسلام لا يسمح به إلا عند الضرورة القصوى، ولا يسمح الله بالاعتداء على أحد (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) 190 - البقرة.
وفي جميع الأحوال لا يسمح الإسلام بالقتال إلا في حدود واضحة، وعلى سبيل المثال: ولا تقتلوهم عند ٱلمسجد ٱلحرام حتى يقتلوكم فيه فإن قتلوكم فٱقتلوهم كذلك جزآء ٱلكفرين ﴿191﴾ فإن ٱنتهوا فإن ٱلله غفور رحيم ﴿192﴾ البقرة، ﴿فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدىٰ عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين ﴿194﴾ البقرة. (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم) 61 - الأنفال.
كل ذلك يؤكد مدى ميل الإسلام إلى السلم وبطلان الادعاء أن المسلم لا يمكن أن يتعايش مع غير المسلم، بل إن الإسلام يدعو إلى حسن التعامل مع الغير، وقد قال تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) 8 - الممتحنة.
وهنا نعود إلى الجريمة التي جرت على شاطئ بوندي في أستراليا: فقد هجم رجل مسلم اسمه أحمد الأحمد على أحد القاتلين وانتزع سلاح القاتل بيديه العاريتين، وبالرغم من إصابته بالرصاص في اليد والكتف نجح في منع القاتل الثاني عن إصابة المزيد من الضحايا... فكان ذلك الرجل المسلم هو السبب في إنقاذ الكثير من اليهود، حتى إن السلطات الأسترالية وصفته بأنه «البطل الحقيقي» لأنه أنقذ حياة العشرات.
وهذا الرجل: أحمد الأحمد، بطل على ثلاثة مستويات.. فهو بطل لأنه إنسان شجاع شجاعة غير عادية كانت السبب في إنقاذ ضحايا أبرياء، وهو بطل لأنه أعطى نموذجا للمواطن الذي يضحي بنفسه في سبيل غيره من المواطنين، وهو بطل لأنه أنقذ سمعة الإسلام على حساب حياته... ولم يحظ هذا البطل بالتغطية الإعلامية التي يستحقها، ويبدو أن السبب هو أن قصة هذا الرجل أفسدت الغرض المقصود من الجريمة: وهو تلبيس التهمة بالإسلام والمسلمين جميعا.. وما زال الإعلام ووسائل التواصل الغربية تردد المقولة: إن المسلمين لا يمكنهم أن يتعايشوا مع غيرهم!!

















0 تعليق