لم يعد التيار الكهربائي في مصر مجرد خدمة محلية تُدار لتلبية احتياجات الداخل، بل أصبح ورقة قوة استراتيجية تعيد رسم خريطة النفوذ الاقتصادي في المنطقة، فبين محطات توليد عملاقة، وشبكات ربط عابرة للحدود، وخطط طموحة للطاقة النظيفة، تخطو مصر بثبات نحو موقع جديد، مُصدر رئيسي للكهرباء ومركز إقليمي للطاقة في شرق المتوسط وإفريقيا.
رفع حجم صادرات الكهرباء إلى نحو 3900 ميجاوات
تسير مصر بخطوات متسارعة نحو ترسيخ مكانتها كمحور إقليمي لتبادل وتصدير الكهرباء، في إطار خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي 2025/2026، التي وضعت قطاع الطاقة في قلب استراتيجية النمو المستدام، وتستهدف الدولة رفع حجم صادرات الكهرباء إلى نحو 3900 ميجاوات، في تحول يعكس نقلة نوعية في فلسفة إدارة موارد الطاقة.
مرونة الشبكة القومية وقدرتها على تلبية الطلبين المحلي والخارجي
وهذا التوجه لم يأتِ من فراغ، بل هو ثمرة سنوات من الاستثمارات المكثفة في تحديث البنية التحتية لشبكات النقل والتوزيع، إلى جانب التوسع في إنشاء محطات توليد تعتمد على مزيج متوازن من مصادر الطاقة، تشمل الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بما يعزز مرونة الشبكة القومية وقدرتها على تلبية الطلبين المحلي والخارجي في آن واحد.
جذب مزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية إلى قطاع الطاقة
وتُعد زيادة صادرات الكهرباء مصدرًا مهمًا لإيرادات الدولة بالعملة الأجنبية، فضلًا عن دورها في دعم الاقتصاد الوطني وتخفيف الضغوط على الموازنة العامة، كما يسهم هذا التوسع في جذب مزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية إلى قطاع الطاقة، الذي أصبح أحد أكثر القطاعات الواعدة في الاقتصاد المصري.
ولا يقتصر أثر هذه الخطوة على العوائد المالية فقط، بل يمتد ليشمل تعزيز استقرار الشبكة الكهربائية داخل البلاد. فالتخطيط للتصدير يفرض معايير أعلى للكفاءة والجودة، ما ينعكس إيجابًا على الخدمة المقدمة للمواطنين، ويضمن قدرة الدولة على تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء في ظل التوسع العمراني والصناعي.
وتعكس هذه السياسة الجديدة إدراكًا واضحًا لأهمية الموقع الجغرافي لمصر، الذي يربط بين قارات ثلاث، ويضعها على مقربة من أسواق واعدة في شرق المتوسط وشمال إفريقيا. هذا الموقع يمنح مصر ميزة تنافسية تجعلها حلقة وصل موثوقة لتبادل الطاقة الكهربائية بين الدول، خاصة مع تزايد الحاجة الإقليمية إلى مصادر مستقرة وآمنة للطاقة.
وفي هذا السياق، تواصل الحكومة تنفيذ مشروعات الربط الكهربائي مع عدد من الدول المجاورة، باعتبارها أحد أعمدة التكامل الإقليمي. فهذه المشروعات لا تفتح فقط أسواقًا جديدة أمام الكهرباء المصرية، بل تسهم أيضًا في تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي، وتدعم التحول الجماعي نحو أنظمة طاقة أكثر استدامة.
كما يتكامل هذا التوجه مع رؤية الدولة للتحول نحو الطاقة النظيفة، حيث تمثل الصادرات حافزًا إضافيًا للتوسع في مشروعات الطاقة المتجددة، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، بما يتماشى مع الالتزامات البيئية الدولية، ويعزز صورة مصر كدولة رائدة في مجال الطاقة المستدامة.
وبين طموحات التصدير وخطط التطوير، يبدو أن الكهرباء لم تعد مجرد خدمة، بل أداة استراتيجية تُوظفها مصر لتعزيز نفوذها الاقتصادي، وترسيخ موقعها كلاعب رئيسي في معادلة الطاقة الإقليمية.


















0 تعليق