بيروت ـ داود رمال
أعاد التحديث البريطاني الأخير لتحذيرات السفر إلى لبنان وضع المشهد الأمني في البلاد تحت مجهر دقيق، ليس فقط عبر توصيف عام لحالة عدم الاستقرار، بل من خلال مقاربة تفصيلية تعتمد الخرائط والنطاقات الجغرافية الدقيقة، بما يحول التحذير من توصية عامة إلى إعادة ترسيم فعلية للمجال اللبناني وفق معايير المخاطر الأمنية.
وقال خبير عسكري لـ «الأنباء»: «المقاربة البريطانية تنطلق من فرضية أساسية مفادها أن الخطر الأمني لا يزال قائما وقابلا للتمدد، بدليل الإشارة الواضحة إلى استمرار الغارات الجوية والقصف المدفعي في مناطق متفرقة من لبنان، ولاسيما قرب الحدود الجنوبية وفي سهل البقاع، مع التحذير من إمكانية توسع دائرة الاستهداف لتشمل مناطق أخرى، بما فيها الضواحي الجنوبية لبيروت».
وأكد «أن هذا التوصيف يعكس تقديرا استخباريا يعتبر أن وقف إطلاق النار لم يتحول إلى حالة استقرار مستدام، بل إلى هدنة افتراضية تهتز في كل لحظة».
ولفت الخبير إلى أن «ما يميز هذا التحذير هو الطابع التقني الدقيق الذي طبق على بيروت وضواحيها الجنوبية، حيث جرى تحديد أحياء وشوارع ونطاقات بعينها، مع استثناء مسار محدد يربط وسط العاصمة بمطار رفيق الحريري الدولي، وهذا المستوى من التفصيل لا يستخدم عادة إلا عندما تكون الجهات المعنية مقتنعة بإمكانية تعرض مناطق محددة لمخاطر عالية، سواء نتيجة طبيعة انتشارها السكاني أو لاعتبارات عسكرية وأمنية مرتبطة بمسرح العمليات المحتمل».
ورأى الخبير أن «إدراج مساحات واسعة من الضاحية الجنوبية، إلى جانب أحياء في بيروت ومحيطها، ضمن خانة المناطق التي ينصح بتجنبها، يوجه رسالة واضحة إلى أن العاصمة لم تعد تصنف كمنطقة آمنة بالكامل، بل كمدينة تتعايش مع جيوب خطرة، في ظل التحذير الصريح من إمكان إغلاق الطرق أو تعطل مخارج البلاد في أي وقت، والتنبيه إلى عدم التعويل على قدرات الإجلاء في حالات الطوارئ».
واعتبر الخبير انه «على مستوى المحافظات، فتوسيع نطاق التحذير ليشمل جنوب نهر الليطاني، ومحافظة النبطية وقضاء جزين، يعكس قناعة بأن هذه المناطق تبقى في صلب أي سيناريو تصعيدي محتمل، بصرف النظر عن الهدنة القائمة، والأمر نفسه ينطبق على البقاع، حيث لم تقتصر التحذيرات على النقاط الحدودية، بل طاولت مسارات داخلية ومعابر وطرقات حيوية، مع استثناءات محدودة تعكس محاولة للتمييز بين مناطق تعتبر أكثر استقرارا وأخرى مرشحة للاهتزاز الأمني».
ولفت إلى انه «فيما خص محافظة بعلبك ـ الهرمل، فإن إدراج طرق رئيسية ومواقع ذات رمزية تاريخية وسياحية، من بينها معبد بعلبك، ضمن نطاق عدم السفر، يشكل مؤشرا بالغ الدلالة على أن التقييم البريطاني لا يميز بين هدف مدني أو أثري عندما يتعلق الأمر بالمخاطر المحتملة، وهذا الأمر يضرب في الصميم أي محاولة لإعادة تنشيط السياحة أو تسويق هذه المناطق كوجهات آمنة».
وتابع: «وضع مدينة طرابلس ضمن نطاق عدم السفر، إلى جانب التحذير من مناطق جبلية وشمالية شرقية، وصولا إلى توصية صارمة بعدم السفر إلى محافظة عكار، يعكس قراءة تعتبر أن الاوضاع الأمنية والاقتصادية قد تتحول بسرعة إلى عامل تفجير داخلي، في حال ترافقت مع أي تطورات إقليمية أو أمنية مفاجئة».
وختم الخبير بالإشارة إلى أن «إدراج مخيمات اللاجئين الفلسطينيين كافة ضمن التحذيرات، يعكس قلقا دوليا مزمنا من واقع أمني خارج سيطرة الدولة اللبنانية الكاملة. ومجمل هذه الخرائط والتحذيرات لا يمكن فصلها عن سياق أوسع من الرسائل السياسية غير المباشرة، التي تقول إن وقف إطلاق النار لم يرتق بعد إلى مستوى الضمانة، وإن المجتمع الدولي لا يزال يتعامل مع لبنان كساحة مفتوحة على الاحتمالات، لا كبلد دخل فعليا مرحلة الاستقرار».













0 تعليق