خلال الأيام الماضية، أعلن رئيس الوزراء الإماراتي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فوزالعالم المصري عباس الجمل بجائزة "نوابغ العرب" في الهندسة والتكنولوجيا لعام 2025، وذلك تقديراً لإسهماته في مجال نظرية معلومات الشبكات، إلى جانب المساهمة في أبحاث الشبكات الحديثة العالمية.
عباس الجمل.. مرجعاً عالمياً لطلاب الهندسة والتكنولوجيا
وقدم البروفيسورعباس الجمل العديد من الإسهامات في مجال البحث العلمي، حيث نشر أكثر من 230 ورقة بحثية ولديه العديد من المؤلفات، ويعتبر كتابه "نظرية معلومات الشبكات" مرجعاً عالمياً لطلاب الهندسة والتكنولوجيا.
ولمعرفة تفاصيل أكثر عن هذه الجائزة وكواليس معرفة البروفيسور بهذا الخبر، أجرينا حوار مع العالم المصري عباس الجمل، حيث تحدث لنا كيف استقبل خبر هذا الفوز، إلى جانب أهمية هذه الجائزة في دعم البحث العلمي في العالم العربي، فضلاً الإجابة على العديد من التساؤلات.
ماذا يعني لك الفوز بجائزة العباقرة العرب في الهندسة، وكيف تلقيت الخبر؟
علمت بالجائزة خلال اجتماع عبر تطبيق "زوم" مع محمد القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء بدولة الإمارات العربية المتحدة. أبلغتني لجنة "جوائز نوابغ العرب" بأنني سألتقي به لكنهم لم يوضحوا طبيعة الاجتماع، لذلك شعرت بمفاجأة سارة جدًا، ولم أكن مستعدًا بالكامل، عندما هنأني بفوزي بهذه الجائزة المرموقة للغاية.
هذه الجائزة تعني لي الكثير. على الرغم من أنني غادرت مصر والعالم العربي منذ أكثر من خمسين عامًا، إلا أن مصر والعالم العربي لم يغادرا قلبي أبدًا. أن يتم تكريمي بمثل هذا الشرف الرفيع، برعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، هو أمر يبعث على الرضا العميق.
كيف ترى أهمية هذه الجائزة في دعم البحث العلمي والهندسي في العالم العربي؟
جائزة "نوابغ العرب" مهمة ليس فقط لأنها تعترف بالتميز الفردي، ولكن لأنها تبعث رسالة قوية للباحثين والطلاب الشباب مفادها أن العمل العلمي والهندسي الجاد يحظى بالتقدير والدعم في العالم العربي. كما أنها تساعد في تغيير نظرتنا إلى الهجرة العلمية - من اعتبارها خسارة إلى كونها فرصة للمشاركة العالمية وتبادل المعرفة يمكن أن تفيد المنطقة. في الوقت نفسه، تشجع الجائزة الحكومات والجامعات والصناعات على الاستثمار بشكل أكبر في البحث والتعاون وبناء القدرات على المدى الطويل. والأهم من ذلك، أنها تلهم الجيل القادم من العلماء والمهندسين العرب لمتابعة مسارات مهنية جريئة في البحث، واثقين من أن عملهم يمكن أن يحدث فرقًا حقيقيًا على الصعيدين الدولي والوطني.
ما هي المشكلة الرئيسية التي يسعى مشروعك لحلها، ولماذا هي مهمة في هذا التوقيت؟
في عملي على نظرية المعلومات، استخدم الرياضيات لدراسة الحدود الأساسية لكمية المعلومات التي يمكن إرسالها بشكل موثوق عبر شبكات الاتصالات مثل الإنترنت والأنظمة اللاسلكية، ومدى اقترابنا من تلك الحدود عمليًا. هذا الأمر يكتسب أهمية أكبر من أي وقت مضى لأن حجم البيانات التي ينشئها ويشاركها الناس ينمو بسرعة فائقة. من خلال فهم هذه الحدود وكيفية الاقتراب منها، يمكننا الاستفادة بشكل أفضل بكثير من الشبكات الموجودة لدينا بالفعل، بدلًا من الحاجة الدائمة لبناء المزيد والمزيد من البنية التحتية.
في عملي على الشرائح الإلكترونية (الرقائق)، التحدي الرئيسي هو كيفية الاستفادة من التطورات التكنولوجية التي تسمح بوضع المزيد والمزيد من المكونات على شريحة واحدة. هذا يفتح الباب أمام تطبيقات جديدة تمامًا. على سبيل المثال، في عملي على الشرائح القابلة للبرمجة (FPGAs)، كان الهدف هو تجنب العملية الطويلة والمكلفة لتصميم شرائح مخصصة من الصفر. وفي عملي على مستشعرات الصور (Image Sensors)، كان الهدف هو جعل تكنولوجيا الكاميرا تعمل بسلاسة مع الأنظمة الرقمية، مما ساعد في جعل الكاميرات ميزة قياسية في الهواتف المحمولة والعديد من الأجهزة الأخرى.
ما الذي ألهمك لدخول مجال الهندسة تحديداً، وكيف تطور شغفك بالبحث العلمي؟
منذ سن مبكرة جدًا، كنت مفتونًا بالأنظمة الكهربائية والإلكترونية - كل شيء من المحركات والمولدات إلى أجهزة الراديو والتلفزيون والهواتف. قضيت الكثير من وقت فراغي في تفكيكها لأرى كيف تعمل، محاولًا إصلاحها عندما تتعطل، ومحاولة بنائها من الصفر. في المدرسة، انضممت إلى أندية هندسية للطلاب الأكبر سنًا، حيث تعلمت الكثير من الموجهين والأقران. أثناء نشأتي، علمت أيضًا أن أحد أعمامي تخرج في كلية الهندسة الكهربائية بجامعة القاهرة وكان على وشك البدء في دراسة الدكتوراه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) عندما غرق بشكل مأساوي. كانت كتبه في غرفة نومي وحاولت أن أدرسها، الأمر الذي أشعل حبي المبكر للتعلم وحل المشكلات في مجال الهندسة.
من هم الأشخاص الذين كان لهم تأثير كبير في دعم مسيرتك المهنية؟
أول شخص كان له تأثير كبير علي هو جدي. لقد جعلني أؤمن بأنه يمكنني إنجاز أي شيء أضعه نصب عيني. ثم والدي، الذي غرس فيّ جميع القيم التي وجهت مسيرتي المهنية وحياتي بشكل عام. علمني مرشدي في الدكتوراه، توماس كوفر، ليس فقط كيفية إجراء الأبحاث وكتابة الأوراق وتقديم نتائجي، ولكن الأهم من ذلك، كيفية توجيه الطلاب. وفوق كل شيء، أدين بنجاحي لزوجتي، سوزان - فحبها ودعمها مكناني من أن أصبح الشخص الذي أنا عليه اليوم.
كيف تتصور مستقبل الهندسة في العالم العربي في السنوات القادمة؟
قدم العديد من العرب - وما زالوا يقدمون - مساهمات على أعلى المستويات في كل جانب من جوانب الهندسة في جميع أنحاء العالم. أنا متفائل جدًا بأن الاعتراف بإنجازاتهم من خلال مبادرات مثل جائزة "نوابغ العرب" سيلهم المزيد من العرب لمتابعة مسارات مهنية في الهندسة والبحث، مما يغذي جيلًا جديدًا من الابتكار والاكتشاف في جميع أنحاء المنطقة.
أرى العالم العربي يعمل بشكل متزايد على تطوير أنظمته البحثية والهندسية الخاصة به، مع جامعات أقوى وشراكات صناعية وشركات ناشئة تتصدى للتحديات العالمية والاحتياجات المحلية على حد سواء. مع استمرار الاستثمار في التعليم والبنية التحتية والتوجيه، أعتقد أن المهندسين والعلماء العرب لن يساهموا فقط على أعلى المستويات الدولية، بل سيقودون أيضًا مشاريع تحول تكنولوجيا المنطقة واقتصادها.













0 تعليق