نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"تيك توك" تعيد تشكيل الهوية الثقافية لجيل زد من السعوديات, اليوم الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 12:26 صباحاً
تظهر الدراسة التي أجراها الدكتور جارح المرشدي أستاذ العلاقات في جامعة الملك سعود، ونهر حريري الباحثة في قسم الإعلام بالجامعة؛ أن جيل Z من السعوديات لم يعد مستهلكا سلبيا للثقافة العالمية، بل أصبح فاعلا في إنتاج هوية ثقافية جديدة، تجمع بين احترام التراث والانفتاح على العالم.
وكشفت الدراسة عن الدور المحوري للمنصات الرقمية في تمكين الشابات السعوديات وإعادة تعريف أدوارهن المستقبلية. وأكدت أن المشاركات أشرن بجلاء إلى تأثير المنصات الرقمية على تطلعاتهن المستقبلية، حيث يسهم عرض قصص النجاح لسعوديات في مجالات متنوعة في توسيع آفاق طموحاتهن، وتمكينهن من تصور أدوار قيادية لم تكن متاحة للأجيال السابقة.
وبينت الدراسة أن المنصات الرقمية ساهمت في إحياء التراث الثقافي السعودي، إذ أكد تسع من كل عشر من المشاركات تقريبا (89%) أن هذه المنصات عززت اهتمامهن بالموروث الثقافي. وأشارت حريري إلى أن المنصات وفرت مساحات للشابات للتفاعل مع تراثهن بطرق إبداعية، حيث أصبحن يفتخرن بأزيائهن التقليدية وينشرن صورا فيها، على عكس الماضي عندما كن يشعرن بالخجل منها.
ورصدت الدراسة بعض التحديات المصاحبة لهذا التحول، حيث لاحظت بعض المشاركات اختفاء تدريجيا لقيم مثل الحياء، مع بروز أنماط جديدة لقياس النجاح قائمة على الشهرة والمظهر. وهنا حذر المرشدي من أن المنصات الرقمية تحمل تأثيرا مزدوجا، فهي تمنح تمكينا من جهة، لكنها قد تضع المستخدمات تحت تهديدات خطاب الكراهية والمضايقات من جهة أخرى، ما يجعلها فضاء يجمع بين التمكين والهشاشة في الوقت ذاته.
أكد الدكتور المرشدي أن الدراسة تكشف عن تحولات عميقة في البنية الثقافية للشابات السعوديات، قائلا: لم نعد أمام مجرد تغيير في المظاهر السطحية، بل أمام تحول جوهري في البنى الثقافية العميقة. لقد نجحت الشابات السعوديات في تحويل الفضاء الرقمي من مجرد أداة اتصال إلى مختبر حي لإعادة صياغة الهوية، حيث يمتزج المحلي بالعالمي في بوتقة ثقافية فريدة.
وأضاف المرشدي أن التفاعل مع الثقافة الكورية والأمريكية واليابانية لم يعد مجرد تقليد، بل تحول إلى عملية انتقاء واعية وتمثل إبداعي. إن ما نراه اليوم هو ولادة هوية سعودية معاصرة، تحمل في طياتها مرونة جيل رقمي ولد في زمن العولمة، مع احتفاظه بجذوره الراسخة في التربة الثقافية السعودية.
من جانبها، أوضحت الباحثة نهر حريري، أن منصة تيك توك التي احتلت الصدارة في عينة الدراسة (78%) كأكثر المنصات استخداما وتأثيرا دون منازع، بأنها أصبحت المنصة الأكثر جذبا للشابات بما يتعلق بالتعلم والتعبير الثقافي، مشيرة إلى أن المشاركات وصفن تيك توك بأنه أسرع وسيلة للبحث ومصدر موثوق للمعلومات، مما يعكس تحولا في دور المنصة من الترفيه إلى التعليم والتثقيف.
وأضافت أن الدراسة توصلت إلى أن أكثر من ثلثي العينة موضع الدراسة (67%) يهتممن بمحتوى الموضة والأزياء، مع تركيز واضح على دمج التراث بالعصرية، حيث تقوم الشابات بإعادة تقديم العباءة والثوب السعودي بتصاميم معاصرة تحافظ على القيمة الثقافية مع مواكبة الموضة العالمية.
كشفت الدراسة التي أجريت على شابات سعوديات من سبع مناطق في المملكة، عن تفاعل ثقافي غير مسبوق، حيث أظهرت النتائج أن الثقافة الكورية تصدرت قائمة المؤثرات بنسبة 50%، تليها الأمريكية بنسبة 44%، ثم اليابانية بنسبة 33%. ويتجلى هذا التأثير في مجالات متعددة تشمل الموضة، الموسيقى، أسلوب الحديث، وحتى الأنماط السلوكية اليومية.
رغم التأثيرات العالمية، أبرزت الدراسة قدرة لافتة للشابات السعوديات على الحفاظ على توازن هوياتي فريد. وأشار المرشدي إلى أن الدراسة كشفت عن وعي متقدم لدى الشابات بأهمية الهوية الثقافية، حيث عبرن جميعا عن إدراكهن لقيمتها كجذر تكويني للذات ومصدر للانتماء. هذا الوعي هو الذي يمكنهن من انتقاء ما يتناسب مع قيمهم وهويتم من هذا السيل الثقافي العالمي.
وقدم الباحثان المرشدي وحريري مجموعة من التوصيات العملية، تركزت حول ضرورة تعزيز الوعي النقدي لدى الشابات السعوديات حول آليات التأثير الثقافي للمنصات الرقمية، وإطلاق منصة وطنية رقمية موجهة للفتيات، وتصميم مقرر جامعي يتمحور حول "الثقافة الرقمية والتمكين الإعلامي".
تأتي هذه الدراسة في وقت تشهد فيه المملكة تحولات كبرى في إطار رؤية 2030، التي أولت تمكين المرأة وتعزيز الهوية الوطنية أولوية استراتيجية. ويمثل توازن الشابات السعوديات بين الأصالة والمعاصرة نموذجا فريدا يستحق الدراسة والتحليل، حيث تنجح في تحويل التحديات الرقمية إلى فرص للتمكين والتطوير، مع الحفاظ على الثوابت الثقافية والهوية الوطنية.


















0 تعليق